لقد تمسكت بمبدأ إقامة مجتمع ديمقراطي وحر يعيش فيه الجميع في انسجام وبفرص متساوية، أنه مبدأ أتمنى
أن أعيش من أجل تحقيقه وأنا على استعداد للموت من اجله إذا لزم الأمر ذلك..نيلسون مانديلا
من أجل ذلك وجب علىّ أن أبعث من داخلي بعض باقات الورد لشخص ندر أن نجده فنرى
أنفسنا دون أن نشعر ننحني تقديراً واعجاباً ونرفع قبعاتنا احترماً
في الثامن عشر من هذا الشهر ولكن من عام 1918 وفي منطقة ترانسكاي بجنوب افريقيا ولد صغير من قبيلة الهوسا التي كان يتزعمها والده انذاك
وبعد أن مرت أعوامُ من الدراسة والسفر في عدة جامعات ونيل الشهادة العليا في الحقوق يعود لوطنه ليكتشف أن جنوب افريقيا في ذاك الوقت كان يغلفها جو من العنصرية في شتى مظاهر الحياة فحقوق المواطنين السود مهضومة,ويعانون من قهر وظلم لصالح المواطنين البيض الذين احتكروا الأعمال التي تحقق مكانة اجتماعية ومادية عالية لهم وأثقلت كاهل المواطن الأسود بالأعمال المتدنية الحقيرةالتي تطلب عمالة رخيصة الثمن، كما فرضت الأقلية البيضاء سيطرتها على كل من الجيش والاقتصاد، وعملت على
انتهاك حقوق المواطنين السود بشتى الطرق كأن تجردهم من ممتلكاتهم، وتنتهك مقدساتهم، وانتزعت منهم حقهم في الانتخاب والمشاركة السياسية، و إدارة شئون البلاد
في غمرة كل هذا الحتلال المعنوي المذل برز ذلك الشجاع المناضل فأنضم إلى المؤتمر الوطني الإفريقي والذي كان الهدف الأساسي من وراءه هو مقاومة التمييز العنصري، و بدأ الحزب بشن "حملة التحدي" والتي اشرف مانديلا بنفسه عليها، فنظم المظاهرات والاحتجاجات وطاف المدن محرضاً المواطنين ضد السياسة العنصرية التي ينتهجها البيض، ونتيجة لذلك صدر ضده حكم بالسجن
لكن لم يتم تنفيذه، وتغيرت طريقة المقاومة إلى المقاومة السرية أفتتح مانديلا مع صديق الدراسة ورئيس المؤتمر الوطني الأفريقي قبل مانديلا- أوليفر تامبو -أول مكتب محاماة للدفاع عن السود ومن خلال عمله كمحامي أنخرط مانديلا في المشاكل والظلم الذي
يعاني منه المواطنون السود وفي خلال السنة أصبح مانديلا رئيساً لحزب المؤتمر الوطني، ونائب الرئيس العام في جنوب إفريقيا، ولكن بسبب نشاطه في الدفاع عن مواطنيه من السود ووقوفه ضد الظلم اللذين يتعرضون له، تعرض للكثير من الضغوط لترك مناصبه وتم وضعه ضمن لائحة المتهمين بالخيانة العظمى
تم اعتقال مانديلا بتهمة التآمر للإطاحة بنظام الحكم والتحريض على العنف وتولى الدفاع عن نفسه، ولكن حكم عليه بالسجن خمس سنوات، ثم ما لبث أن حكم عليه بالسجن لمدى الحياة وأرسل إلى سجن بجزيرة روبن خاضع لحراسة مشددة بخليج تيبيل قبالة ساحل كيب تاون، وقد أصبح هذا السجن الذي قضى فيه مانديلا جزءاً كبيراً من حياته مزاراً سياحياً يفد عليه الزوار بعد ذلك
وأثناء سنوات سجنه لم يتخل مانديلا عن أهدافه قط ورفض العديد من المساومات التي عرضت عليه للخروج من السجن في مقابل التخلي عن أرائه، وعلى الرغم من وجود مانديلا في السجن إلا أن المواطنين الأفارقة قاموا بشن العديد من المظاهرات، وقُتل العديد من الأشخاص، وتضافرت العديد من الجهود المحلية والدولية من أجل الإفراج عن مانديلا في فبراير عام 1990 تم إعلان رفع الحظر عن حزب المؤتمر الوطني الإفريقي من قبل الرئيس الجنوب إفريقي فريدريك دي كليرك
وتلا ذلك الإفراج عن مانديلا في فبراير من نفس العام، بعد أن أمضى أكثر من ربع قرن في السجن عقب الإفراج عنه أعلن وقف الصراع المسلح وبدأت سلسلة من المفاوضات التي أدت إلى إقرار دستور جديد في عام 1993 مانحاً للسود الحق في الانتخاب
رئيساً للبلاد جاءت أول انتخابات متعددة الأعراق تجري في جنوب إفريقيا عام 1994، والتي اكتسح فيها حزب المؤتمر الوطني الإفريقي برئاسة مانديلا وتم انتخابه رئيساً للبلاد ليصبح أول رئيس أسود لجنوب إفريقيا، وهو الأمر الذي لاقى استحسان من جميع المواطنين تخلى مانديلا عن رئاسة حزب المؤتمر الوطني الإفريقي على الرغم من دوره كزعيم ناضل من أجل تحرير شعبه من قيود العنصرية ونيله للاحترام والتقدير من شعبه والعالم أجمع، إلا أن مانديلا ترفع عن التمسك بالسلطة واكتفى بفترة رئاسية واحدة وفضل التقاعد نهائياً من الحياة السياسية وتفرغ للعمل الاجتماعي لمكافحة الفقر، والإيدز والدعوة لنشر السلام والاستقرار
وقد عرف عن مانديلا جهوده المبذولة أثناء فترة رئاسته لجنوب إفريقيا من أجل توفير العلاج المتاح لمرض الإيدز بسعر زهيد، ومحاربته في أروقة منظمة التجارة العالمية لكي تتمكن بلاده من إنتاج الدواء محلياً بسعر مناسب للمرضى، خاصة أن هذا المرض اللعين منتشر بشكل واسع في الأوساط الفقيرة من السكان السود، وتتحكم الدول المنتجة للعقار في بيعه بأسعار باهظة
لا يزال لمانديلا دور قوي في تحدي هذا المرض القاتل مستمراً في حملته ضد "الإيدز" وذلك من خلال مؤسسة مانديلا الخيرية بمقرها في جوهانسبرج، بالإضافة لعمله الدائم مع الجمعيات المنادية بحقوق الإنسان، كما كان لمانديلا دور أخر في استضافة بلاده لبطولة العالم لكرة القدم في 2010نظراً لجهوده تم اختياره سفير الأمم المتحدة للنوايا الحسنة
ولا يزال لمانديلا مكانة مميزة على الساحة الدولية والتي يحظى فيها بالكثير من الحفاوة والتقدير
نال مانديلا إعجاب واحترام العالم اجمع، وتقديراً لجهوده في تحقيق الديمقراطية وإنهاء التمييز العنصري حصد العديد من الجوائز والتكريمات من أهمها جائزة نوبل للسلام عام 1993، كما قامت منظمة العفو الدولية "أمنيستي" منحه جائزة "سفير الضمير" والتي تعد أرفع تكريم تمنحه المنظمة العالمية المعنية بحقوق الإنسان
وجائزة القذافي لحقوق الإنسان، وتم منحه درجة الدكتوراة الفخرية وشهادات الشرف من العديد من الجامعات العالمية، والتكريم من العديد من زعماء العالم، وتم تشييد تمثال له في ميدان البرلمان بلندن والذي قام النحات- إيان وولترز- بتنفيذه
وأيضاً استهوت السيرة الذاتية لمانديلا الكاتب- أنطوني سامبسون- الذي قام بتأليف كتاب عنه، وانفرد فيه بعرض عدد من الرسائل التي أرسلهامانديلا من سجنه
ليس كل هذا وحسب بل حصد مانديلا بشرف الجهاد الذي تولى زمامه بشجاعة و ثورية قلوب كل البشر ,أو بمنعنى أخر قلوب من يريدون الحرية
سأظل فخورةً أنني أنتمي للشهر الذي ولد فيه ذلك الثوري القومي الحر,وأتمنى وأحلم أن تجمعني الأيام به وجها لوجه لكي أخبره
كم أنا فخورة بك يامن كنت الهامي في فترة من فترات حياتي فأعدت تنظيم أفكار الحرية التي كانت مبهمة الملامح لي وظللت أرى دائما مقولتك الشهيرة في السجن
لم يدر في خلدي قط إنني لن أخرج من السجن يوماً من الأيام , وكنت أعلم بأنه سيجيء اليوم الذي أسير فيه رجلاً حراً تحت أشعة الشمس والعشب تحت قدمي, فإنني أصلاً إنسان متفائل, وجزء من هذا التفاؤل هو أن يبقي الإنسان جزءاً من رأسه في اتجاه الشمس وأن يحرك قدميه إلى الأمام
فكل عــــــام وأنت بخير
بعض ماقاله الكتاب عنه