في غمرة الأحداث التي تمر بها مصر
والتي تثقل القلب بإحباطٍ لاخروج منه وبيأسٍ لا أمل في انتهاءه، قد تستيقظ يوماً
لترى الشمس وقد أشرقت في يوم مغيم، لتأتي أشعتها وتدفئ ذلك الخوف القابع في أدخلنا
وتدب فينا ثورة أيام الحرية، وترى رفاق الجهاد ينادونك لتلبي معهم نداء الوطن الذي
يحتاج حماس الشباب المتقد في عمر صباك، وليس بأي صباً هذا، إنه ذلك الصبا المثقف
والواعي لأحداث الماضي ومايدور حولنا من مؤامراتٍ سياسيةٍ بعيدة المدى، إنه ذلك
الصبا قديم التاريخ والمعاصر لكثيرٍ من الأحداث.
اليوم الخامس والعشرون من شهر
نوفمبر لعام 2011 من ميدان العباسية، يوم الحرية، يوم استعادتي لثقتي بأبناء وطني،
حيث رسم الشعب مجرداً من أي تجمعات فئوية معقدة، أو أي نشطاء سياسيون أو أي تيارات
تنتمي لأي حزب أو تجمع أروع لوحةً فنية، حيث تجمهرت جميع فئات الشعب من فلاحين
ومدنيين و عمال وموظفين و علماء وأطباء ومهندسين ومحامين ومثقفين وأميين وكهول
ومسنين وشباب وأطفال، مجتمعين على هدفٍ وحيدٍ لابديل له وهو إعطاء الشرعية لبقاء المجلس
العسكري في سلطته الحاكمة لمصر حتى تسليم السلطة لهيكل الدولة الجديد والذي يتكون
من وجود رئيس للدولة و سلطة تشريعية (مجلسي الشعب والشورى)، وسلطة تنفيذية
(الحكومة والإدارات المحلية)، وسلطة قضائية (المحاكم على اختلاف أنواعها) وهذا
باختصار شديد الهيكل النظامي الذي يفترض أن تكون عليه جمهورية مصر العربية.
جل مايثير الإنتباه النظام والذي
لم نعهده لفترةٍ طويلة في أسلوب حياتنا، وبدون أدنى ترتيبٍ مسبق سوى الإعلان عن
موعد التجمع، يوماً بدأ منذ الصباح الباكر ولم ينتهي بعد فنحن لدينا الكثير لنقوله،
فالصمت ملّ من أن يقبع جباناً، والصمت لم يعد يجدي مع من باعوا الأرض وظنوا أن الوطن
لعبةٌ في أيدي بعض السذج عديموا الوعي وإن كانت بذرة الوعي لديهم موجودة فإنها تُسقى
بماءٍ معكرٍ ومجهول المصدر، لنحصد بعدها جهلاً سياسياً عميق الجذور على مختلف
الأعمار، لذا وجب علينا الاستماع، ووجب علينا تلبية نداء أرض الوطن التي حارب
عليها أبناؤه في عهد لم نعاصره، أبناء القوات المسلحة من كبرت أعمارهم بعدد الحروب
التي خضناها، ومن أعادوا إلينا الأرض سلاماً لنا لنعيشه وليس استسلاماً كما يدّعون.
فلم ولن نصدق وعوداً كاذبةً
بالمدنية الديمقراطية لأننا نعاصر أقاويلكم المزيفة الآن، ولن نعطي أذاننا لفئاتٍ
تتستر خلف ستار الدين لتتعمق في الباحات السياسية فارضةً علينا أرائها القديمة
والبالية والتي نعلم جميعاً ماترمي إليه، ولن نفكر يوماً في إسكات ضمائرنا ومانؤمن
به استسلاماً لواقعٍ مفروض، وقد حان الوقت من جديد لننفض غبار اليأس الذي طال مداه
ونستعد للنزول مرةً أخرى إلى أرض بلادنا لرفع معاناة من لم يشعر بهم أيٌ من أصحاب
المعالي نشطاء الحركات السياسية والإجتماعية المختلفة ومن كنت قد دخلت مطبخهم سابقاً
واستقيت منهم بقدر مااستقيت، فلن يخاف أحد منهم على عمال الأجرة اليومية وعلى
الباعة المتجولين وأصحاب الحرف البسيطة وساكنوا البيوت المهمشة والمدافن، فلم يجرب
من لم يعش أو يشعر بهم يوماً.
وقد رأيتهم اليوم تستفيض ألسنهم
بالحكايات الطويلة وبالمعاناة التي لم تمنعهم من المشاركة في المعرفة وإطلاق مالم
تبوح به ثورة الشعب الآثمة، فلن يخاف على الوطن أحدٌ غير أبناؤه الحقيقيون ومن
رأيت الحب والتضحية والرقي في أقوالهم وأفعالهم هذا اليوم، الذي لن يُمحى من
التاريخ أن قام فيه المصري حينما شعر بالخوف على وطنه وأرضه ورزقه من الضياع سداً
عاشت مصر حرةً بأبناءه.