أنظر أحياناً إلى وجه أحدهم لأراه
يمتلئ بالكلام يرويه، يود لو أن تعيره أذنيك ليقول مايريد فتشعر وكأنك تود أن
تسمعه من باب المساعدة الإنسانية البحتة لتفاجأ أن مايقوله يشبه كلاماً سمعته من
قبل وجملاً مسترسلةً بنفس الكيفية والأسلوب، نعم فهى جملٌ لأحد المشاهير قالها عبر
لقاءٍ صحفي، أو حديث لأحد الشخصيات التي تلاقي صداً في نفسك قرأته فترى أنك
متجاوبٌ معه فتنساق دون إرادة منك إلى ترديده بنفس الكيفية، وهكذا إلى أن تشعر أنك
تسكن في قرية صغيرة وأطرافها محدودة فتلقي الكلمات شرقاً لتعود إلى أذنيك من
الغرب، إنها الحقيقة فالمعرفة أصبحت جملاً مقتبسة من هذا وذاك ولمحبي الرفاهية
المترفة فهم لايريدون أن يبذلوا من المجهود أدناه لمعرفة معلومةٍ تثريهم وتنمي من
أسلوب الحوار وترقيه، فترى بعد أن استرقوا الأراء ينتقدون اختلافك معهم في
مايقولون حتى وإن كنت تمتلك رصيداً ولو باليسير من ماتؤمن به من أفكار ومبادئ
وانفعالات إنسانية ناتجةً من الخبرات التي عاصرتها، فقد تكون بلا أدنى نفعٍ يذكر
لأنك لاتلقي بكلامك في أذانٍ مستمعة، وقد تتطور المناقشات إلى النقد اللاذع الذي
قد لايملك معه البعض إلا السكوت لوذاً من سياط ألسنتهم وفقر معرفتهم، وعندما تقرر
بمحض إرادتك أن تكمل مابدأتماه من كلام وحواراتٍ ناضجة تجد وقد تطرق الكلام إلى
نقد وتحول النقد إلى مواضيع متفرقة بعيدةً كل البعد عن نقطة النقاش الأساسية كمن
يقود سيارته في طريقه إلى عمله صباحاً ليرى نفسه وقد أصبح في محل لبيع المخبوزات،
فيقف مندهشاً مستغرباً عن كيفية توهانه إلى هذا الحد.
أصبحت لاتمتلك إلا نظراتٍ ساكنة
تستمع بها لتستطيع أن تفهم مايدور بذهن من يخاطبك لتتفهم موقفه وتتعرف قدر
ماتستطيع على نمط تفكيره، فلربما يوجد لديه ما تكمل به ماينقص لديك وتسد به ثغرات
وهم الثقافة الذي يمتلكه، لربما لايملك من الشجاعة أن يختلف، فللأسف لم ندرك إلى
الآن أننا شعبٌ مختلفين عن سوانا، وكلٌ منا مختلفٌ عن بعضه، قد نتشابه لأننا من
نسج التراب، وقد نختلف لأننا بشر مختلفوا الهوية والتفكير، قد نرى أننا نمتلك
حريةً للكلام وديمقراطية لكي نُسمع، ولكننا في الواقع يمتلك كلٌ منا ديكتاتوراً
خاصاً به يقتصر فقط في معرفة حقوقه ولايمتلك وقتاً لمعرفة واجباته التي عليه،
وهكذا نصنع أجيالاً تحمل جيناتٍ عجيبة التكوين لايعلم مصيرها إلا الله...فلنا الله.
وأنا كبشر لاأمتلك ماأحكم به على
هؤلاء إلا قولٌ أحبه لهتلر "لاتجادل الأحمق فقد يخطئ الناس في التفريق بينكما"