كلما نظرت إليه الآن وجدته وحيداً
يائساً حاملاً روحاً حزينة، ليس ذلك الشخص الذي عرفته حينها، عندما كان يبدو شخصاً
مستقراً نفسياً ذا ملامح واضحة وكلامٍ محدد و معروف المعاني، يشذ عن القاعدة التي
تقول أننا كلما اقتربنا من الأشياء رأينا ملامحها بوضوح وكلما ابتعدنا عنها بدأت
تبهت، واليوم وأنا أقف على أعتابٍ بعيدةٍ عن صداقتنا التي جمعتنا يوماً وثقةٍ به
كانت تصل بي لأبعد الحدود، أراه بوضوح وأرى تلك الشخصية الحقيقية التي اختبئت وراء
قناع المثالية والوضوح، و لكني لازلت أتفاجأ بي في كل مرةٍ أتعاطف معه فيها وأرى
مالايراه أحداً مِن مَن حولي.
مقتنعٌ تمام الاقتناع أن كل من
حوله يحتاجون منه معروفاً وأن صداقاتهم معه لمصلحةٍ يبغونها منه، يحاصر نفسة بكمٍ
من شعارات الثقة الجوفاء بأنه أقوى البشر ومن بيديه كل المقاليد وهو يملك أضعف
الأرواح ويحتاج لدعم كل من حوله ولكنه يبتعد عنهم برسم القسوة و عدم المبالاة، لو
واجهته يوماً بأنك تراه بوضوح من وراء هذه النافذة الزجاجية التي يختبئ بخلفها
لارتبك و اضطرب و لابتعد عنك لأنك اقتحمت مايواريه.
يرمي بنفسه في زخم البشر فقط
لإضاعة الوقت الذي يمر به وهو يفكر بحاله و بما وصل إليه، ولماذا يبتعد الجميع
عنه، يبحث عن ما يقر عينيه و يتمنى أن يجد نفسه ويفهمها ويود أن يجد الراحة
بانتظاره، ولو فكّر قليلاً و هدأ لوجد سعادته فيمن يحيطونه اهتماماً دون أدنى مصلحةٍ
أو مبرر، ولكنه للأسف لم و لن يحاول أبداً!!
كم هو محبطٌ أن ترى طائراً يحاول
أن يكون أسداً، لم يعترف بحاله وقرر أن يكون أقوى الأقوياء متجاهلاً كم من الشجاعة
و الراحة و القدرة على الإدّعاء بكفاءة هو يحتاج!!