Thursday, June 28, 2012

كلام ع الطريق


"نفسي يارب أفضل عايش وأشتغل في البلد دي علشان ماعرفش غيرها، وأجوز ولادي الاتنين فيها وبكدة أبقى أديت واجبي كله، وبعدين بقى أموت وأتدفن في بلدنا جنب أبويا وأمي!"
يمكن دي ببساطة الجملة اللي قالهالي الأسطى عوض سواق التاكسي وهو بيوصلني للمكان اللي كنت رايحاه النهاردة، كانت الساعة أربعة العصر والشمس محسساني إنها في قمة فرحتها مع إنها كانت واخدة طاقة كل الناس ومفرهضاهم النهاردة بحكم آخر الأسبوع بقى.
ركبت التاكسي و والراديو كان شغّال على أغنية فيروز اللي بتجنني "فيكن تنسوا صور حبايبكم، فيكن تنسوا لون الورد و ورق رسايلكم، فيكن تنسوا الخبز الكلام أسامي الأيام و المجد اللي إلكم، لكن شو ما صار ماتنسوا وطنكم....".
ولاقيت السواق اتسلطن وقام قايل: "الله يافيروز..الله لو العالم دول سمعوكي دلوقتي زي مانا سامعك"، وطبعاً فضولي نساني الحر والصهد والإجهاد وإحباط اليومين اللي فاتوا وقررت أكسر صمتي السياسي اللي كنت إبتديته وسألته بلؤم علشان أسمع منه كل اللي جواه: "قصدك مين؟ اللي في التحرير ولا اللي في البيوت ولا اللي ماسكين البلد ولا مين؟!!"
قاللي: "بيني وبينك..كل المصريين، كلهم كبيرهم وصغيرهم، كلهم لازم ينسوا كل حاجة ويفتكروا بلدهم اللي واقعة، مش المشكلة في الثورة اللي قامت ولا في المجاميع اللي بقت بتحارب في بعضها زي حماس وفتح كدة على أرض واحدة، المشكلة في المصري لما يبقى وحش، ماحدش بيقدر يصلحه ولا يأثر فيه، كله بيبقى عاوز يعلى ويدوس، البلد مش الأرض اللي بنحبها وبنغنيلها، البلد دي الناس الغلابة اللي محدش شايفهم، بالك انتي...البلد مش هتتصلح لحد ماربك ياخد كل اللي عليها!!"
سألته: "ليه محبط كدة؟، خلي أملك في ربنا كبير، لو ربنا عاوز البلد دي توقع ماكانش حمانا كل الأيام دي، ممكن الدنيا تبقى أحسن نوعاً ما، أنا عندي أمل!!"
قام قايلي: "ولا هيحصل!! إنتي مفكرة المصريين ملايكة؟!، لو ثاروا علشان اللي زيي مانا أهو!!
أنا كنت شغّال سواق خاص في شركة لرجال أعمال أتراك في المنطقة الصناعية، وبعد الثورة قفلوا ورجعوا بلدهم ومشوني وأنا مش شهادة ولامعايا صنعة ولانايم على قرشين، سواق وعندي عيلة، مرمطة سنة عشت فيها الذل بستلف من ده وأتحايل على ده أشتغل مع ده يومين وده يومين لحد ماولاد الحلال ساعدوني ولميت حق التاكسي ده، من بعد موظف بمرتب 3000 جنيه كل شهر بقيت موظف عند نفسي بلقط رزقي يوم بيوم، يوم أرجع بـ200 جنيه ويوم أرجع مش مكمل 20 جنيه، تفتكري أنا عاوز إيه من الدنيا؟!"
سألته: "نفسك في إيه؟!!"
قاللي اللي قاله ولقيتني بيأس مع كل كلمة بيقولها وبنزل بيها لسابع أرض، مش لأن حلمه غلط ولاحاجة، بس لأن حلمه بسيط قوي، ومصر بكل السياسيين و المثقفين و المتعلمين و المتفلسفين واللي عاملين فاهمين على اللي فعلاً فاهمين مش هيقدروا مهما عملوا يوصلوا لطريقة منطقية يحققوا بيها حلم الراجل ده، ولو إنه حلم بسيط بس حلم يائس، مليان قلق وخوف من بكرة لا مايلحقهوش ويحقق لولاده الأمان اللي فقده في خبرته المحبطة مع الناس.

ووصلت وكان لازم أنزل، وجربت أستنصح وأزود أجرة العداد من باب التعاطف الإنساني بس لاقيته بيقوقفني و بيقولي: "ماتصدقنيش مش كل المصريين وحشيين، لما المصريين بيفضفضوا مع بعضيهم مش لازم يكونوا بيشحتوا!! ده بيبقى من غلبهم مش أكتر"، وإداني الفلوس الزيادة في إيدايا ودعالي دعوة رجفتني: "روحي ربنا يرضى عليكي ويريح بالك ويبسطك يابنتي!!"

مشيت وفي دماغي افتراضات وأسئلة، لو الراجل ده صعبان عليا وجربت ألمله فلوس من كل الناس اللي أعرفها ممكن أحققله حتى نص حلمه، طيب لو الراجل ده بالذات صعبان عليا كده، طيب اللي ظروفهم أصعب من كده هيصعبوا عليا قد إيه؟ ده أنا ممكن أموت نفسي من إحباطي عليهم!!!
طيب لو لمينا الفلوس وساعدناه، هنعرف نلم فلوس لكل الناس اللي صعبانة علينا دي إزاي؟
طيب لو الراجل ده شغّال حتى لو مش بيكسب فلوس بتكفيه، اللي مش شغالين عايشين إزاي ؟
طيب الراجل ده كان صعبان عليا حاله بس على الأقل عارف يقول نفسه في إيه؟ طيب باقي الناس هيكون ليها نفس في حاجة؟!!

Wednesday, June 27, 2012

أحتاج فقط لأن أنام


إلى متى سيظل عقلي يعمل؟
سؤالي الذي يفرض سطوته على أعصابي مراراً كلما ضاقت بي الحياة بمشاكلها ومتغيراتها ومعطياتها التي تفرضها علىّ دون هوادة.
سلسلة الأفكار لاتنتهي، وبرمجة كل مايجول بخاطري أصبح مستفزاً لدرجةٍ أود معها لو أن العالم يتوقف عن الحياة والصخب، الضجيج أصبح في كل مكان والأفواه تتحرك دون توقف، الأطفال تبكي، والكبار يتجادلون في كل مواضيع الحياة من سياسة واقتصاد و حرب و حب و زواج و طلاق و سفر و امتحانات و عمل و مطبخ و أطفال و احتياجات و ملل و مال وأعمال و موت و حياة، أبواق العربات تضوج في كل الأنحاء من حولي، وجميع الهواتف تدق في آنٍ واحد، الكلام لايتوقف، الحياة لاتتوقف.
أضحيت أسمع صدى الأفكار تدور في فراغات عقلي لأراها مصورةً في أحلامٍ طويلة ومتواصلة حتى بعد الصحو، أضحيت أسمع سريان الدم يجري في أوردة رقبتي ليغذي ذلك العقل الذي أود له أن يتوقف ولو قليلاً، أتمنى لو أن العالم يتوقف عن الضخب والضجيج ولو لبضع ساعات، أقذف فيها بنفسي في سريري الوثير وأغمض عيناي ولا يمر بخاطري أي فكرةٍ أو حلم.
ربما أحتاج فقط لأن أنام.

Wednesday, June 20, 2012

نسيانٌ يصاحبه الموت


كانت مكالمةٌ هاتفيةً من أحد زملاء العمل طالباً لصنيعٍ أقدمه له قد يساعد والده المريض كي يبكر من موعد إجراءه لعمليةٍ جراحيةٍ ما بحكم عملي في مستشفاً عام، وقد وعدته بتقديم أقصى ما أستطيع.
وكان أيضاً يوماً حافلاً بالعديد من إجتماعات العمل وأحداث الحياة، ومر يوماً ويوماً آخر وقد نسيت، نسيت ماكان من المكالمة، نسيت كأن مرض الألزهايمر أصاب ماتبقى من ثنايا عقلي الشاب، نسيت أن هناك شخصاً ينتظر مني بعض الخلاص لحاله، نسيت أن أقدم بعض ما أستطيع لذلك الرجل الضعيف الحال.
مرّ يومان ولم أتذكر إلا عندما باغتتني إحدى الرسائل تخبرني بوفاة ذلك الرجل، تجمد بعض الدم في عروق رأسي كأن الحياة توقفت لبضع دقائق لتخطرني بعد ذلك، أنه هو ذلك الرجل الذي طلب منك بالأمس مساعدةً لم تلبيها!!

بعمري لم أتوانى عن تقديم عونٍ لأيٍ من إحتاجه مني، والآن فقط وجب علىّ النسيان، كأنني قتلته، مات وفتح بما يقض مضجعي العديد من التساؤلات...
كيف نسيت؟ أيفترض أن أنسى وأنا بمثل هذا العمر الشاب؟ أيفترض أن أنسى مثل هذا الطلب؟
هل نسيت حقاً أم تناسيت عمداً ولا أشعر؟
إن لم أنسى هل كان سيعيش بعضاً آخر من حياته؟

أحلم به يوماً من بعد يوم، يعاتبني برقةٍ مخجلة...
أطلب منك حيث كنت أن تسامح نسياني، وإن كنت ساعدت مرضك في أن يقتطع ماتبقى من حياتك لتكون الآن بعيداً عن ذويك فاعلم أنني أشعر بالذنب يقتطع من ضميري أوصالاً، أنحني أسفاً لك وأعلم أنني بسببك سوف أراقب نفسي يوماً من بعد يوم كي لا أنسى.

رحمك الله رحمةً واسعة وجعل مستقرك في جناته وألهم ذويك الصبر والسلوان..آمين