Saturday, December 3, 2011

لست حراً أن تمتلك حريتي


في إحدى جلسات السمر مع الأصدقاء طرأ على بالنا أن نمرر هذا السؤال علينا واحداً تلو الآخر، ماالفرق بين الحرية بين أسطر التعريفات والحرية التطبيقية؟
سؤالٌ معقدٌ بقدر ماتحمله العقول من إجابات، فمن بيننا مايرى أن الحرية هى المساحة المفتوحة بين القول والفعل، فمهما قلت من أراء وأفكار يجب أن تكون لك مساحة في أن تُسمع ولك من المساحة ماأن تطبق فيه تلك الأفكار لإثبات واقعيتها، ومنا من يرى أن الحرية ماهى إلا مساحة المواطن في مواطنته، حريته في الجهر بأفكاره أياً كانت ملتها وماتصب فيه، ووفقاً لهذا تنطلق المظاهرات التأييدية والشجبية في مساحات مختلفةٍ من العالم بغض النظر عن اختلاف بروتكولات المسيرات والتظاهرات في كل مكان عن الآخر، ومنا مايرى أن الحرية الواقعية تختلف كثيراً عن الحرية التي سطرها أرباب المذاهب الليبرالية من تحريرٍ للأفراد من المثلث السلطوي المتمثل في الإقتصاد والسياسة والعلم، حيث أن التطبيق مختلف لاختلاف الخلفيات السياسية والمذاهب الفكرية السائدة في كل مجتمع.
وهكذا ظللنا نسرد الأراء بمختلف الرؤى لربما نصل إلى بكلامنا إلى بؤرة النشاط السياسي والخلاف الذي تشهده مصر في الوقت الراهن، فهل كانت حرية الأفراد مهضومةٌ حقاً في مصر؟ وهل حالت الفوضى المصرية الحديثة دون ذلك؟

يرد أحد الناشطين السياسيين في إحدى جمعيات حقوق الإنسان المعلنة بأننا كنا نملك جميع الأدوات التي تخلق من مواطن هادئ ووديع ثائراً يحمل ألوية الدفاع عن أفراد لاتجمعه معهم سوى الجنسية الواحدة والتعاطف الإنساني أمثال خالد سعيد وشهداء الثورة الحديثة، فقط أنه أتيحت له المساحة عن طريق شرارة نطلقها في وقت محدد، فترى جمهوراً من أفراد بتلك المواصفات إجتمعوا وإن كانت خلفية فردٍ منهم في ذلك الموضوع لاتتعدى ماقرأه في جريدة أو فهمه مما يدور في الأروقة حوله، وبغض النظر عن الأسئلة التي يمكن أن تدور في ذهنه عن الأسباب والدوافع التي يثور من أجلها فقد يتغاضى عن تزويد مداركه بمعلومات تثري ثورته، ومن هنا وعندما يصطدم بإحدى الأراء المعاكسة لايبدأ إلا بالهجوم إلى أن يصل معه الأمر إلى حد التطرف في الدفاع عن مايراه، إلى ماقد يصل به أحياناً للدفاع بلغة الدين عن مايفعله، وبقدر ماهو مكفولٌ له قانوناً إلا إنه يجعل جهله فاضحاً في هذا الهجوم، هجومه على الدين ذاته الذي ينتمي له وإن لم يدرك هو ذلك، وهذا مايجعله يختلف بدوره عن الجهل الطبيعي، وبهذه الحال ارتبطت لدينا الصفة الجهلية بالتطرف علماً بأن الجهل بطبيعته لايستلزم تطرفاً.

وبزيادة التطرف الفكري والثقافي والديني لدينا زادت الجماعات والفئات المختلفة، وبالتالي زاد عدد المحللين السياسيين على مختلف الأصعدة من المتخصصين والمتمرسين والمثقفين إلى الطبقة الأقل فالأقل، وبزيادة التطرف أصبحت حرية إبداء الرأي وإتخاذ القرارات درباً من التفرد والديكتاتورية السلطوية التي قطعاً تتنافى مع ماقد ينادي به بعض الأفراد في حركات التحرير والتخلص من بعض ملامح العبودية، وبالتالي تتحول شرارة حرية الأفراد إلى ديكتاتورية التفرد المطلق المتشعب الأحزاب والمصالح وهو مانراه الآن بوضوح، فحينما نبتعد عن مصدر الشرارة نبتعد بذات القدر عن المغزى والسبب الحقيقي لها، فتظل تتسائل كيف تكون الحرية غايةٌ سامية وحق مشروع، وهى أيضاً إحدى صور إنتهاك حقوق الإنسان وتهديد السلام العالمي وتبديد لباقي حقوق الإنسان المدنية والأمنية والإجتماعية والثقافية والسياسية والإقتصادية في بلاده.

قد انبهر العالم أجمع بسلسلة احتجاجات التحرير أو مايسميه الغرب ورعاة حقوق الإنسان بثورات الربيع العربي و التي تتابعت بدايةً من تونس ومصر وليبيا واليمن نهايةً بسوريا تحت مظلة أحادية وهى المطالبة بالحرية –رغم وجودها بمعناها الأساسي- ورغم أنه بعد مرور عام منذ إندلاعها تباعاً نفتقد الآن للمعنى الحقيقي للحرية، وهو ماجعلنا نتسائل اليوم، لنستنتج أن ماتعلمناه وقرأناه عن الحرية في الميثاق العربي لحقوق الإنسان أن الحرية من كونها حقٌ فرديٌ مشروع ومنصوصٌ ضمن بنود المواثيق، ومطلب مجتمعي يطالب به أفراد المجتمع –إن فقدوه-، وتأشيرة للحكام في أوقات الطوارئ العامة والتي تهدد حياة الأمم أن تتخذ إجراءاتها مايحلها من إلتزامها به، وهذا مايلتزم به رعاة مواثيق حقوق الإنسان والسلام العالمي وداعمي المؤسسات الناشطة سياسياً والغير حكومية وهو مايجعلها من أقوى دول العالم وأكثرها إتزاناً، فهى لاتستخدم أدواتها الإعلامية لبث مايدور في أروقة الديكتاتورية العظمى والتي غفل عنه الكثير من الدول العربية، ولكنها هى من بثت بذور الأهداف البعيدة المدى مُقنعةً في صورة الحرية، وهذا مااجتمعنا على رفضه ورفض استخدامنا كأدوات لفرض الهيمنة وسلماً يصعدون به.

اجتمعنا أن الحرية ليست حكراً بل حق والجميع يمتلكونه على كافة الأصعدة ومن جميع الطبقات المجتمعية، وسكوت بعض الأفراد عن إبداء الرأي في وقت ما لايعني مطلقاً أنه ليس حراً أن يعارض أرائك وأن تكون له قناعات مخالفةً لك، وظناً منك أنك أجبرته على السكوت بفرض شروط حريتك عليه هو قمة السذاجة، فأنت حر، ولكن لست حراً أن تمتلك حريتي..

No comments: